أخبار النوخذة
دليل الكويت أخبار السوق

أخبار النوخذة - مقالات - د. محمد هاشم الحسن … يكتب احتفظوا ببضائعكم في كييف!

د. محمد هاشم الحسن … يكتب احتفظوا ببضائعكم في كييف!

د. محمد هاشم الحسن … يكتب احتفظوا ببضائعكم في كييف!

لازلت أذكر تلك المقالة الطويلة والتي قرأتها في الغارديان منذ ما يقارب الخمس سنوات وكان عنوانها: “أهلا بك في أوكرانيا، الدولة الأكثر فسادا في أوربا” للكاتب أوليفر بولوغ. المقالة طويلة بالفعل ولكنها تحكي واقعا حيا عاشه كاتبها في أوكرانيا منذ مشاهداته وزياراته الأولى للمعهد الأوكراني الوطني للسرطان، وهو المعهد الذي يقع في مبنى يحكي الكثير، مبنى قديم لم يطرأ عليه أي تجديد يذكر، وكان قد تم بناءه في العام 1968، نعم… في أيام الاتحاد السوفيتي. يتناول مقال الغارديان تفاصيل دقيقة وواقعية عن بعض من أبطال الإصلاح للنظام الصحي في أوكرانيا، والذين، بالطبع، كانوا قد خسروا هذه المعركة في دولة تكاد تكون هي الأشرس فسادا في أوربا.

تذكرت هذه المقالة، بل إني أرسلتها لصديقي الذي أزكم أنفي عن “البزنس” في أوكرانيا، ولكني أصبت بارتياح لا يمكن وصفه عندما أخبرني بعدوله عن هذه الفكرة. الحقيقة هي أن هذه الدولة جميلة جدا من الخارج، ولكنك ما إن تقترب من الداخل، من حقيقتها، حتى تكتشف الكثير من الأسرار التي لا يمكن لها أن تظهر للوهلة الأولى. الحقيقة المرة هي أن هذه الدولة التي تتزين بدار أوبرا كبيرة، كاتدرائيات عظيمة، متاجر عالمية، مترو كبير وعميق، وكل شيء مما يجعلها أكثر “أوربية”، هو في الواقع من نتاج مرحلة سابقة على وجود هذه الدولة الحديثة، من مرحلة الاتحاد السوفيتي إن شئنا الدقة. ليس ذلك فقط، وهذا هو بيت القصيد بالنسبة لي، فإدارة هذه الدولة هي أبعد ما تكون عن أي إدارة أوربية: نشرت منظمة الشفافية العالمية على موقعها في مؤشر مدركات الفساد، وهو المؤشر الذي يحظى باحترام عالمي ويستخدم في العالم كله، أن موقع أوكرانيا هو 142 عالميا، إلى جانب أوغندا! ومنذ بضعة سنين قفزت لتحتل مكانة خلف نيجيريا!

ليس هذا سرا، فالكل يعلم فساد تلك الدولة، ومواطنيها قبل أي شخص آخر. في أوكرانيا، ومنذ العام 1991، تجد نفسك في الواقع أمام شبكة من المسؤولين الحكوميين، أعضاء البرلمان ورجال الأعمال الذي استطاعوا أن يصنعوا مجموعة من القوانين والضوابط التي تحميهم عند سرقة الميزانية العامة للدولة. السرقة أعاقت أوكرانيا عن الحركة. كان الاقتصاد الأوكراني يعادل الاقتصاد البولندي عند الاستقلال، أما الآن فهو لا يتجاوز الثلث. المواطن الأوكراني يصارع من أجل قوت يومه، في الوقت الذي يرى فيه تضخما عظيما في حسابات فئة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. في العام 2015 أجرت وكالة رويترز مقابلة مع مسؤولين من النيابة العامة الأوكرانية، ولم يتردد هؤلاء بالاعتراف بأنه بين العام 2010 والعام 2014 كان المسؤولون الحكوميون يستولون على ما يقارب خمس ما تنتجه الدولة.

ربما يتذكر البعض منا ما قام به يوشيشنكو من أجل محاربة الفساد حيث قام بتكليف رجل أمن متخصص بالجريمة المنظمة بكتابة تقرير عن الفساد في المنظومة الصحية. كشف التقرير عن استخدام رجال الأعمال لشركات عابرة للحدود للتغطية على فساد المسؤوليين الحكوميين الذين يساهمومن في ضرب المناقصات الحكومية ورفع الأسعار. بعد أسابيع قليلة من كتابة التقرير، تم إلقاء عبوة ناسفة على كاتب التقرير بعد خروجه من سيارته في شارع تاتارسكا في وسط كييف. كان الانفجار مدويا للدرجة التي أتلفت نوافذ المباني القريبة. بحمد من الله لم يمت كاتب التقرير ولكنه احتاج لعمليات تجميل كثيرة قام بها في إسرائيل. لم تكن هناك جرأة لدى الحكومة لنشر التقرير، ولكنه سٌرب بعد ذلك للإنترنت، أما من حاول القتل العمد فلم يعثر عليه حتى الآن.

ماذا عسانا أن نقول عن هذه الدولة التي يدير اقتصادها قلة من الأوليغارش، يظل هو المتخلف عن أقرانه في المنطقة وبين أفقردول أوروبا. أما وبعد الصراع العسكري في الجزء الشرقي منالبلاد، والحرب التجارية مع روسيا، فلقد أدى ذلك بسهولة إلىانخفاض بنسبة 17٪ في الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم عندقرابة 60٪ واحتياطيات العملات الأجنبية متضائلة بشكل متزايد يوميا.

هل هناك من خلاصة لهذا الحديث؟ نعم… بل وخلاصة صريحة: أوكرانيا ليست مكانا آمنا للاستثمار لا لهذا الصديق الذي تحدثت وكتبت عنه هنا، بل لأي دولة تفكر للحظة أن تدخل في شراكة معها. أوكرانيا ووفقا لكل المعطيات التي نراها اليوم بأم أعيننا لا يمكن الوثوق ببضاعتها التي يروج البعض لها في منطقتنا، ونصيحتنا لهم يبدو أنها واضحة أيضا: احتفظوا ببضائعكم في كييف!

تعليقات
مشابهه لـ د. محمد هاشم الحسن … يكتب احتفظوا ببضائعكم في كييف!