في يومٍ عادي، كنت جالسًا في سيارتي، حين اقترب مني شاب في السادسة عشرة من عمره، وجهه يلمع بالحياة رغم غبار الشوارع. قال لي بأدب:
– "أستاذ، أنظف لك الزجاج الأمامي؟" وافقت، وفعلاً نظفه بإتقانٍ كأن السيارة مرآة قلبه.
أعطيته 20 دولارًا، فبدت الدهشة على ملامحه، وسألني بخجل: – "هل أنت عائد من أمريكا؟" قلت: "نعم". قال: "هل يمكنني أن أسألك عن جامعاتها بدل أجرة التنظيف؟"
شدّني حياؤه وعقله، فدعوتُه للجلوس بجانبي، وسألته عن عمره، فأجاب: "ست عشرة سنة". فقلت بدهشة: "يعني في الثانية المتوسطة؟" قال: "لا، بل أتممتُ السادسة الإعدادية." – "كيف؟" – "لأنهم قدموني سنوات بسبب علاماتي الممتازة في كل المواد."
كان يتكلم بثقة وكبرياء، لكنّ صوته كان يحمل حزنًا قديمًا. قال: "أبي توفي وأنا في الثانية من عمري، وأمي تعمل طباخة، وأنا وأختي نساعدها قدر ما نستطيع. سمعت أن الجامعات الأمريكية تقدم منحًا للمتفوقين، ولا أملك إلا نفسي."
دعوتُه للغداء، فوافق بشرط: – "أن أُكمِل تنظيف الزجاج الخلفي!" وفي المطعم، رفض أن يأكل، وطلب طعامًا سفريًا لأمه وأخته.
لاحظت لغته الإنجليزية الممتازة، وحُسن خلقه، وقدرته على التفكير والتميّز. قلت له: "أحضر وثائقك غدًا، وسأحاول مساعدتك."
وبعد ستة أشهر، حصل على القبول. وبعد يومين فقط، اتصل بي وقال بصوتٍ مرتجف: – "نبكي من الفرح، أنا وأمي وأختي، والله!"
بعد سنتين، نشرت *نيويورك تايمز* اسمه كأصغر خبير في التكنولوجيا الحديثة. فرحت له وكأنه ابني، وكانت فرحة زوجتي لا تقل، حتى أنها حصلت على تأشيرة لأمه وأخته دون علمه.
وعندما رأى الشاب والدته وأخته أمامه في أمريكا، ظلّ واقفًا لا يصدّق، لا يتكلم، ولا حتى يبكي.. فقط ينظر.
وفي أحد الأيام، وأنا وعائلتي في المنزل، نظرتُ من النافذة، فإذا به في الخارج.. يغسل سيارتي! خرجت إليه مندهشًا وقلت: – "ماذا تفعل؟" قال: – "دعني، فقط دعني... لئلا أنسى من أين بدأت، وماذا صنعتَ مني."
اسمه فريد عبد العالي، وهو اليوم من أبرز وأشهر أساتذة جامعة *هارفارد* الأمريكية.
العبرة من القصة: لا تستهِن بموهبة تظهر في شارعٍ مزدحم أو خلف زجاج سيارة، فربما يكمن خلفها عالِمٌ، عبقريٌ، أو قائدٌ للأجيال. الفرص قد تغيّر حياة بأكملها، وأعظم استثمار، أن تؤمن بشخص لا يملك إلا نفسه.. وتمنحه الطريق ليُضيء العالم.
هل تؤمن بأن فرصة واحدة أو لفتة إنسانية بسيطة يمكن أن تغير حياة إنسان بالكامل وتصنع منه قصة نجاح عالمية؟ شاركونا آراءكم!