أخبار النوخذة
دليل الكويت أخبار السوق

أخبار النوخذة - مقالات - إطفاء آخر بئر.. حقائق وأرقام

إطفاء آخر بئر.. حقائق وأرقام

إطفاء آخر بئر.. حقائق وأرقام

طلال سعود المخيزيم
[email protected]
@t_almukhaizeem


لم تكن ذكرى إطفاء آخر بئر من الآبار التي حرقها الجيش العراقي أبان الغزو عادية، ففي السادس من نوفمبر تحقق ذلك بفضل الله ومن ثم الدول الشقيقة والصديقة، وانهاء هذا الملف الشائكة والعميق بيئياً لما له من آثار خطيرة وأبعاد عميقة على أساسيات الحياة ومقومات البيئة التي يجب أن تكون كما ينبغي للانسان والافراد

حرائق آبار النفط الكويتية هي مجموعة من الحرائق كان قد أشعلها الجيش العراقي في آبار النفط الكويتية في أواخر فبراير 1991، قبل انسحابه من الكويت حيث قامت القوات العراقية بتدمير ما يقارب 1073 بئراً نفطياً، وذلك عن طريق تفجيرها مما أدى إلى احتراق حوالي 737 بئرًا مسببًا غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة لها، بل وحتى بعض دول الخليج العربي والدول المطلة على المحيط الهندي، مما أدى إلى حصول مشاكل بيئية وتلوث في الجو العام، بعد تحرير الكويت بدأت عملية إطفاء الآبار المشتعلة في مارس 1991 وتم إطفاء آخر بئر في 6 نوڤمبر 1991.

كان إنتاج وتصدير النفط أحد الأسباب التي أعلنتها الحكومة العراقية في تبريرها لاحتلال الكويت، فقد اتهم العراق كل من الكويت والامارات العربية المتحدة ، بالتلاعب بأسعار النفط وذلك برفع نسبة إنتاجهما من النفط مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 10-12 دولاراً بدلًا من 18 دولاراً للبرميل، وسبب هذا الانخفاض خسائر في إيرادات الحكومة العراقية التي تعتمد على مدخول النفط لتسديد ديونها بسبب الحرب العراقية الايرانية، ويرى بعض المحللين أن إحراق آبار النفط الكويتية كانت وسيلة عقاب من قبل الحكومة العراقية لرفع الكويت لإنتاجها من النفط، على الرغم من أن إحصائيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تشير إلى أن 10 دول من ضمنهم العراق لم تكن ملتزمة بحصص الإنتاج، ومما يؤيد نظرية الانتقام في إحراق وتفجير آبار النفط الكويتية هو قيام الحرس الجمهوري العراقي بوضع خطة متكاملة لتفجير الآبار النفطية ومحطات الكهرباء والماء، وتظهر الوثائق العراقية بدء وضع هذه الخطط منذ 12 أغسطس 1990، أي بعد 10 أيام من الغزو العراقي الغاشم للكويت.

كان استخدام عجينة من «التي أن تي» هي الوسيلة الغالبة في تفجير الآبار النفطية، حيث استخدم ما يقارب 14 طناً من متفجرات «التي ان تي» في هذه العملية وبمتوسط 11 كيلوجراماً للبئر الواحد، كما استخدمت أكياس الرمل لوضعها فوق المتفجرات وذلك لمضاعفة الضغط على رأس البئر ومضاعفة درجة التخريب، كما تم استخدام القنابل العنقودية وقذائف الدبابات في تفجير بعض الآبار وذلك لعدم توفر عجينة «التي ان تي» أو تعثر الوصول لرأس البئر بسبب الألغام المزروعة.

تعتبر هذه الحادثة من أكبر الحوادث البيئية في العالم حيث أن السحب الدخانية الناتجة عن حرق الآبار وصلت إلى اليونان غربًا وإلى الصين شرقًا بينما آثار هذا الدخان تعدى تلك المسافة ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أدى حرق أكثر من 727 بئر نفطي إلى انبعاث كمية كبيرة من الغازات السامة والدخان على مدى ما يقارب من الثمانية أشهر. فقد وصل مدى الدخان المرئي إلى مسافة 2000 كم عن الكويت لتصل إلى الصين والهند شرقًا، كما أن السخام الناتج من حرائق الآبار قد تم رصده في هاواي واليابان، وقد تنبأت بعض الدراسات إلى احتمال انخفاض درجات الحرارة بمقدار 100 درجة مئوية في مساحة دائرة نصف قطرها مئات الكيلومترات مركزها الكويت كما تنبأت بانخفاض قدره درجتان لمسافة تصل إلى 1000 كم، أدى هذا الانخفاض في درجات الحرارة إلى تغيرات كبيرة في المناخ الجوي.

كما أدت الحرائق النفطية إلى انبعاث العديد من المركبات السامة والمضرة بصحة الإنسان، وقد شملت الغازات المنبعثة
أكسيد الكربون الأول والثاني وكذلك ثاني أكيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين وكبريتيد الهيدروجين والكثير من المركبات الهيدروكربونية، كما لوحظ اختلاف واضح في لون الدخان إذ كان شديد السواد في معظم الحالات نتيجة احتوائه على نسبة عالية من السخام (20 - 25% منه)، وكان يشوب الدخان اللون الأبيض في حالات قليلة نتيجة لبخار الماء واحتراق الأملاح ككلوريد الصوديوم، وأملاح الكالسيوم والبوتاسيوم، كما قدرت كمية الدخان الأسود الناتج عن النفط المحترق بحوالي 14-40 ألف طن يوميًا، كما قدرت كمية ثاني أكسيد الكربون المنطلق بمليوني طن أي ما يعادل 2% من النسبة العالمية لإنتاج ثاني أكسيد الكربون، أما ثاني أكسيد الكبريت فإن كميتة تصل إلى 9000 طن يوميًا وحوالي 350 طن من أكاسيد النيتروجين و 250 طن من غاز أول أكسيد الكربون،
انعكست هذه الزيادة الكبيرة في بث الملوثات على جودة الهواء في الكويت والمناطق المحيطة بها، حيث تم رصد ارتفاع كبير في تركيز الملوثات في محطات الرصد البيئية في الكويت، فقد بلغ تركيز الأوزون ما يقارب 1000 مليجرام لكل متر مكعب أي ما يقارب 8 أضعاف الحد الأعلى المسموح به، كما تم رصد زيادة مشابهة -لكنها أقل حدة في الزيادة- في تركيز كل من ثاني أكسيد الكبريت (1.671 مجم/م3، الحد المسموح: 1.5 مجم/م3)، والرصاص (92.5 مجم/م3، الحد المسموح: 80 مجم/م3).، كما لوحظ ارتفاع كبير في تركيز الجزيئات الدقيقة (3000 مجم/م3، الحد المسموح: 150 مجم/م3).

تعمد الجيش العراقي بضخ النفط في مياه الخليج العربي ابتداءً من النصف الثاني من يناير 1991 إثر تصاعد وتيرة الغارات الجوية للقوات المتحالفة، فبدأ الضخ من خمس ناقلات نفطية كانت راسية أمام ميناء الأحمدي ومن بعض الآبار القريبة من الخليج بما يقدر بستة ملايين برميل، وفي الخامس والعشرين من يناير 1991 تم فتح صنابير ضخ النفط في ميناء الأحمدي ليزيد من حدة التلوث النفطي، فقدر معدل ضخ النفط في مياه الخليج ما يقارب 6000 برميل يوميًا، نتيجة لذلك تشكلت ما يقارب 128 بقعة زيتية قبالة السواحل الكويتية والسعودية لتشكل أكبر حادثة انسكاب نفطي يشهدها العالم، حيث بلغ طول البقعة حوالي 130 كم وقدر عرضها 25 كم، ومما فاقم المشكلة هو التسرب النفطي من الخنادق الممتلئة بالنفط والتي حفرها الجيش العراقي كخطوط دفاع لهم، والجدير بالذكر أن دول الخليج العربي لا تزال تعاني من آثار وعواقب هذه الحادثة،
تأثرت الكائنات البحرية تأثرًا كبيرًا بهذا التلوث، فانتشار النفط على سطح الماء يشكل طبقة تمنع التبادل الغازي كما تمنع وصول الضوء الكافي للهوائم النباتية، مما يسبب خلل في السلسلة الغذائية، فقد أدت هذه الظاهر إلى انخفاض حاد في المخزون السمكي وظهر هذا بشكل انخفاض في كمية صيد الأسماك في العامين 1992 و 1993، أدى تدفق النفط من الآبار المدمرة إلى تلوث المياه الجوفية خاصة وأن التكوينات المائية في الجزء الشمالي في الكويت شديدة النفاذية مما يجعل من السهل تسرب النفط إلي هذه التكوينات خاصة بمصاحبة مياه الأمطار.

تنوعت مصادر تلوث التربة من جراء احتراق الآبار، فنتج من تدمير الآبار تكون بحيرات نفطية لها تأثير مباشر على التربة، التأثير غير المباشر يكمن في استخدام مياه إطفاء الآبار المشتعلة - والتي كانت تجلب من البحر- مما زاد من ملوحة التربة وجعلها غير صالحة للحياة النباتية والحيوانية.

كون النفط المتسرب من الآبار المدمرة 246 بحيرة نفطية غطت مساحة حوالي 50 كيلومتر مربع بكمية نفط تقدر بحوالي 24 مليون برميل، فشكلت هذه البحيرات حاجزًا بين حبيبات التربة وكائناتها من نباتات وحيوانات وحشرات مما سبب خلالًا تامًا في النظام البيئي، فكان للنفط تأثير سُمي مباشر على النباتات والحيوانات كما شكلت البحيرات النفطية عازلًا يمنع التبادل الغازي بين النباتات والهواء الجوي.

كان لانتشار الدخان الكثيف في الكويت حاملًا المواد الهيدروكربونية والآروماتية والسخام الأثر الكبير على الصحة العامة، حيث رصدت الدراسات الإحصائية ارتفاع أعداد المراجعين في المستشفيات والعيادات العامة في الكويت، كما ارتفع عدد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وازدادت بلاغات حالات الولادة المبكرة والإجهاض والعيوب الخلقية لدى حديثي الولادة مقارنة لما قبل عام 1990،كما وجدت الأبحاث ارتباط الأمطار النفطية والمواد سريعة التبخر بعدد من الأمراض كالطفح الجلدي ومشاكل في الذاكرة والصداع والخمول وضعف المناعة، كما أشارت الأبحاث إلى وجود صلة بين المواد النفطية ومرض السرطان، فقد وجد من خلال أحد التجارب أن نفط الكويت قد يؤدي للسرطان في 38% من فئران المعامل، وحاليًا يلاحظ ارتفاع في معدلات السرطان بين الكويتين وقد يعود السبب إلى حرائق البترول.

نظرًا لحجم الكارثة البيئية وكثرة عدد الآبار النفطية المشتعلة بالإضافة إلى العدد الكبير من الآبار النازفة والدمرة، قدر الوقت اللازم لعملية الإطفاء بفترة تمتد لعدة سنوات، تراوحت التقديرات في المدة اللازمة لعملية إخماد حرائق آبار النفط بين سنتين إلى خمس سنوات، إلا أن تمت السيطرة على جميع الآبار المحترقة خلال 240 يومًا وذلك بمشاركة 27 فريقًا دوليًا متخصص في إطفاء حرائق النفط، وقد ساهم الفريق الكويتي بإطفاء 6٪ من مجموع الآبار، فتم إطفاء آخر بئر في السادس من نوفمبر 1991 ليتم إيقاف المصدر الأول للتلوث في ذلك الوقت.

تعليقات
مشابهه لـ إطفاء آخر بئر.. حقائق وأرقام