شهر الخير… والإحسان
طلال سعود المخيزيم
[email protected]
كثيرة هي أنواع الضيوف، وعديدة هي تلك المواضع التي يُستقبل بها الضيف خير استقبال، يليق به وبمكانته والتي تُعد كبيرة في نفوس المسلمين خاصة، لما يمثله من قيمة وعرفان، تضع النفوس في مسارها الصحيح، بعد أن أنهكتها عثرات وظروف الحياة، ليأتي ذلك الضيف في تجديده واعادة ترتيب أوراق مستضيفه بما يحتويه من كنوز وعطايا تجعله ذلك الضيف المعتبر الذي لا يمكن التهاون في ضيافته واستقباله كما ينبغي ويُفترض.
رمضان ذلك الشهر العميق في عطاياه ومعناه، وما يعكسه على نفوس المسلمين من تهذيب واعادة ترتيب أوراق الشهوات، ومعرفة حال الفقراء والمساكين من خلال الصيام واستمراره طيلة النهار مع العمل والجد، مما يعكس تلك المشاعر والتي بدورها تجعل المسلم قريباً من اخوانه من هم يعانون من ألم وجور الحياة، بما قسمه الله لهم بحكمته وفطنته، ليكون المسلم من خلال هذه العبادة العظيمة يُعيد تمكين نفسه لمحطات هذه الحياة والتي تمهد وتعين الطريق الاساسي والفوز الكبير الا وهي الآخرة ودخول جنات النعيم.
يقول الله -تبارك وتعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة البقرة:185]
وفق هذه الآيات العظيمة من سورة البقرة، تتجلى قيمة الصيام الكبيرة والتي تُعد ركناً من أركان الإسلام، لا يستقيم اسلام المرء بدونه، وتتجلى من خلال هذه العبادة ايضاً رحمة الله الواسعة في مراعاة المريض والمسافر وماهي تلك الرحمات بغريبة على ملك الملوك عزوجل، وفي خضم ذلك يتطلب على الانسان التمسك بكل ما تحمله هذه العبادة من معاني وبالأخص القلبية، من تقوى الله ومخافته، والتي تصقل شخصية الانسان كما ينبغي ان تكون في ظل تهافت الشهوات والملذات التي تعصف بالانسان، ليأتي الصيام درعاً منيعاً في ترميم انكسارات المسلم، في جميع تعاملاته القولية والفعلية، وهي التي تحتاج للقالب الاسلامي في تشكيلها، من ما يجعل الصيام نبراساً لذلك بشرط ان يكون المسلم مخلصاً النيه لله وحده وجاداً في اسقاط وتسليط هذه العبادة العظيمة على نفسه واخلاقه وتعاملاته المختلفة.
الصيام جنة المسلم، فقد ذكر كما ورد في الحديث القدسي ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب – الخصام والصياح -، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم – الرائحة – أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ” رواه البخاري ومسلم،
كم تتجلى قيمة الصيام مع هذه المعاني الكبيرة، فحقاً لمن لم يستشعرها ويعيشها فهو في خسارة كبيرة، وعلى العكس لذلك لمن استشعرها فقد نال الفوز الحقيقي من هذه العبادة العظيمة، علاوة على ذلك وجود ليلة هي خيرٌ من ألف شهر وهي ليلة القدر، عطايا وأجور عظيمة فقط لمن ذاق وتذوق لذة ومكانة هذا الشهر،اللهم كما بلغتنا رمضان بلغنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا.