الحج المبرور… وجزاء الجنة
طلال سعود المخيزيم
[email protected]
يعد الحج ركناً من أركان الإسلام الذي بُني عليها، والذي يستكمل به العبد المؤمن اسلامه وكمال دينه، بهذه العبادة العظيمة التي تتساوى بها رؤوس الاشهاد وصفات ومسميات الناس وفق مسطرة واحدة، ومكان واحد يلبون فيه التضرع والانكسار لله وحده، راجين منه الغفران والعتق من النيران، والرجوع كما ولدتهم أمهاتهم بلا ذنوب ولا خطايا، وانه لفضل عظيم من العظيم الكريم سبحانه، فقط لمن حج ايماناً واحتساباً مستوفياً شروط واداب واركان الحج، ليحضى بتلك المنزلة وذلك الجزاء الكبير.
مع انتهاء موسم الحج بدأت عودة الحجيج لديارهم باذن الله سالمين غانمين، فالشكر لله على تسهيله لتلك العبادة وتيسيرها ويسرها، في أيام معدودات سلك فيها الحاج ذلك المبيت وتلك الوقفة في عرفة ومن ثم رمي الجمار والسعي والطواف، والذي ما تيسر وتم الا بفضله سبحانه وتيسيره لعباده في أداء هذا الركن العظيم، واكرامه كذلك لغير الحاج بالأضحية والصيام والذي لا يقل أجرهم عن الحاج، في اكرام الجميع بموسم الخيرات، فالكريم سبحانه كريماً مع جميع عباده، ليتحصلوا على جزاء هذا الموسم العظيم، والفوز بمرضاته ونيل الأجور المباركة العظيمة.
قال تعالى في محكم كتابه(واذن للناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجً عميقٍ) صدق الله العظيم، هكذا هو الحج ورسالته في توحيد صفوف المسلمين، والتذكير بأن لا فرق بين عربي ولا أعجمي الا بالتقوى، لا لون مميز ولا أصل، ولا قبيلة ولا عائلة فالجميع سواسية في ميزان رب الأرباب، بمختلف وسائل نقلهم وكيفيات سفرهم، وبمختلف توجهاتهم وشخصياتهم، لتنصهر في بوثقة الإسلام وتعاليمه، فما وراء تلك المعاني عميق وجليل لما يمثله من أواصر ولحمة يحتاجها العالم الإسلامي في توحيد صفوفه ولملمة أواصره التي نخرتها التفرقة والشتات والتمايز المكتسب.
وقال تعالى كذلك في محكم التنزيل(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) صدق الله العظيم، ففي هذه الايات دروس في عدم تكليف النفس في ما لا تستطيع، من القدرة البدنية والمالية في أداء هذه الركن العظيم، وهي رحمة من رحماته عزوجل في التخفيف عن النفس، مع عدم اغفال ان يحضر المسلم نفسه في السنوات القادمة ليكمل دينه، والتحضير لذلك وعقد النية والعزم على ذلك.
وقد ذكر تبارك وتعالى كذلك في محكم كتابه( الحج أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال بالحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وأتقونِ يا أولي الألباب) صدق الله العظيم، وهنا يركز تبارك وتعالى على آداب الحج وما يخرج الحاج من مضمون حجه، وهو الجدال والخوض في النقاشات وما لا فائدة منه، اضافة الى كل اشكال المعاصي ومقدماته من فسوق صغر أو كبر، فعندما يتحرى المسلم ذلك يتحقق له الهدف الأسمى وهو الحج المبرور الذي يناله العبد ويتنعم في معناه ودهاليزه، مع ذلك المال الحلال معلوم المصدر الذي أُنفق لاداء هذه العبادة، فحينها باذنه تعالى يكون الحج مبروراً ويرجع الحاج سعيداً حاصداً ثمرة تعبه وبذله وهنا تكمن اللذة الحقيقية لهذا الركن العظيم.
نسأل الله العلي العظيم بأن يمن على حجاج بيته ذلك الحج المبرور، وتلك النعمة العظيمة من عطاءه وجزيل كرمه، وان ييسر على من لم يسبق له الحج للحج في الأعوام القادمة، وان يمن كذلك على غير الحاج بقبول الأضاحي خالصة لوجهة الكريم وقبول صيام عرفة وتكفير سنة قابلة وسابقة، اللهم تقبل من الجميع انك نعمة المجيب، وكل عام وأحبابنا ومن نحب والمسلمين جميعاً في كل خير.