صالح العجيري .. رحلة عطاء وذكرى تتواصل
الدكتور صالح العجيري .. رحلة عطاء وذكرى تتواصل
طلال سعود المخيزيم
[email protected]
منذ أيام حلت علينا الذكرى الثالثة لوفاة المغفور له باذن الله العالم الفلكي صالح محمد العجيري، وقد بقيت علومه وارثه متداول، من علوم فلكية وتقويمه الرسمي للدولة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية التي دأب عليها الراحل في تحليلاته وأبحاثه، المتعددة والتي مازال الناس وسيستمرون عليها ونسأل الله بأن تكون من ضمن الحديث (اذا مات أبن آدم انقطع عمله الا من ثلاث ومنها العلم الذي ينتفع به).
غيب الموت بمشيئة الله عزوجل الدكتور صالح العجيري عن عمر يناهز الثانية بعد المئة، فمنذ ولادته ونعومة اظفاره دأب الراحل على تلقي العلوم واكتسابها وبالأخص الفلكية، تلقى تعليمه الابتدائي في الكتاتيب فتعلم اللغة العربية والفقه والحساب التجاري، ثم انتقل الى مدرسة لتربية الأطفال أنشأها والده ما بين عام 1922 وعام 1928، الى ان تفتح ذهنه وسبق زمانه في العلم فنافس مدرسيه بالعلوم والحساب، فلتحق بالمدرسة المباركية عام 1937، حتى أتم بنجاح الصف الثاني ثانوي.
والده هو أول من أرشده لدراسة علم الفلك، وقال عن الملا مرشد:
«الملا مرشد رجل ذو خلق محب للعلم تواضعه جم يتصف بالحرص الشديد والحزم حيث يغرس في نفوس طلابه حب العلم والعلماء.»
ولم يلتحق العجيري بالمدارس الحكومية قبل عام 1937 لاقتناع والده بجدوى دراسته في مدرسة الملا مرشد حيث يتعلم فيها إمساك الدفاتر التجارية واللغة الإنجليزية بغرض زجه في العمل بالأسواق التجارية، إلا أن والده في نفس الوقت كان حريصًا على تنشئته النشأة الدينية فخصص له مدرسًا ليتلقى منه دروسًا في الفقه وعلم الفرائض والحديث وكذلك حرص على يقوم لسانه ويقوي لغته العربية فجعله يحفظ الأجرومية في علم النحو في صغره وكان والده يتابع استمراره في الدروس.
لم يَدع العجيري حبه لعلم الفلك ساكنًا في مكانه بل بذل لتلقي هذا العلم ولو في آخر الدنيا، وفي فترة الحرب العالمية الثانية ، كانت خطوط المواصلات مقطوعة بين الدول ولم تكن هناك طرق ولا وسائل للمواصلات المتطورة كما في وقتنا الحاضر ورغم ذلك دفعه حبه وشغفه لعلم الفلك إلى تخطي الصعاب والسفر للحصول على مزيد من العلم، بدأ العجيري في التوجه إلى مصر عندما سقط في يده كتاب يسمى الزيج المصري الصادر في عام 1920، للمؤلف عبدالحميد مرسي غيث والذي يبحث في حركات النجوم والكواكب والشمس والقمر.
ظل العجيري طالبًا يتلقى العلم بدءًا في كُتاب أبيه ثم بالمدرسة المباركية حيث أتم السنة الثانية ثانوي في عام 1940 ، في ذلك لم يتوفر العدد الكافي لفتح صف جديد بالسنة الثالثة ثانوي وكانت دائرة المعارف في ذلك الوقت في حاجة للمدرسين، لذلك فقد تم تعيينه مدرسًا عن طريق وزارة المعارف هو وزملاءه مباشرة للتدريس في المدرسة الشرقية في شهر سبتمبر من عام 1942 في الفصل الدراسي 1941 – 1943.
أحب العجيري مهنة التدريس لما لها من مكانة مرموقة في المجتمع فحرص عليها، بقي في المدرسة الشرقية سنة دراسية واحدة فقط لبعد المدرسة عن منزله الكائن في الصالحية ، لذهابه إليها مشيًا على الأقدام مرتين يوميًا ذهابًا وإيابًا لكون المداومة على العمل مرتين في الصباح والمساء فطلب نقله إلى المدرسة الأحمدية في الفصل الدراسي 1942 – 1943 لقربها من منزله.
بالرغم من تنقل العجيري في وظائف كثيرة في الدوائر الحكومية وفي الأعمال الحرة، إلا أن إحدى عينيه في الدفاتر والأخرى في السماء، فالأفلاك تجبره على أن لا يستظل بالأسقف فللنجوم مباهج ولها مواعيد ليس بوسعه أن يخلفها، فبعد أن ظهرت بوادر انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ يبحث عن وسيلة لتلبية حاجته وفهمه الكبير للاستزادة من علم الفلك فتوجه للقاهرة ودرس علوم الفلك في جامعة الملك فؤاد الأول وفي مرصد حلوان إلى عام 1952 بعدها عاد للكويت ليكمل مسيرته التربوية.
بعد أن تلقى العجيري ونهم الكثير من علم الفلك والأرصاد الجوية ، بدأت ظاهرة التأليف تأخذ مجراها وبدأت مسيرة العطاء تأخذ طريقها في الإثمار فقام بإصدار عدد من المؤلفات والمطبوعات في سن مبكرة جدًا حتى أثناء دراسته قبل عام 1946 وقد بدأها بإصدار التقاويم، كما أنجز في عام 1937 قبل الحرب العالمية الثانية أول محاولة لعمل تقويم حيث سلمه والده إلى عبد الحميد عبد العزيز الصانع الذي سلمه للشيخ أحمد الجابر الصباح أمير إمارة الكويت حينها وأوصله إلى السيد عزت جعفر الذي أرسله لمصر للطبع لكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون طباعته بسبب انقطاع طرق المواصلات في ذلك الوقت، وفي عام 1940 قام بتأليف التقويم الثاني الذي لم يُطبع أيضًا لعدم استطاعته المادية، بعد ذلك بثلاثة أعوام وفي عام 1943 قام العجيري بنفسه بطباعة تقويمه الأول في بغداد وهو عبارة عن صفحات صغيرة لكل شهر صفحة واحدة.
وفي عام 1944 طبع التقويم الثاني على ورق ملون في بغداد لأن الحكومة العراقية في ذلك الوقت كانت تمنع خروج الورق الأبيض خارج البلاد لتخصيصه للاستخدام الداخلي، وفي أول حكم الأمير عبدالله السالم الصباح تم طبع طبعة جيدة وممتازة لتقويم الحائط بمصر تحمل صورة الأمير حيث قام بطباعته الأستاذ عبد العزيز حسين والأستاذ عبد الله زكريا الأنصاري بعد ذلك قام بإصدار الكثير من أشكال التقاويم للمكتب والمذكرات وغيرها وأصدر عددًا كبيرًا من المؤلفات.
رحم الله الدكتور العلامة صالح محمد العجيري وجعل علومه وانجازاته بحراً دائماً يستزيد بها الانسان كل علامات المعرفة والبراهين والعلوم النافعة المفيدة.
مشابهه لـ صالح العجيري .. رحلة عطاء وذكرى تتواصل