مازالت تلك اللحظات الحائرة ما بين الحقيقة والخيال تداهم ذكرياتنا كلما اقترب الزمن من الثاني من اغسطس كل عام على الرغم من مرور ثلاثين عاما على ذكرى الغزو العراقي الغاشم على يد النظام الصدامي البائد عام 1990، صور مختلفة تحملها ذاكرة كل من عاش تلك الايام ولا يمكن لها ان تمحى من ملفات عقله ومخيلته، وها نحن على مقربة من جيل كامل لم يشهد الازمة الامر الذي يحتم وجود مرجع تاريخي يحكي تفاصيل الغزو وبطولات اهل الكويت في التصدي للمحتل، وكيف استطاع ابناؤها الالتفاف والتمسك بقيادته الشرعية واعادة الارض واعمار الوطن من جديد.
لقد شهدت دول عديدة في العالم حروبا امتدت لسنوات طويلة من اهمها الحرب العالمية الاولى والثانية والتي عانت الشعوب من ويلاتها وفقدوا احبابهم وتصدوا لحماية بلدانهم، فروت كل دولة منهم حكايتها كما عاشتها، وجعلت لها متاحف ومواقع اثرية شاهدة عليها، ومرجعا للاجيال التالية والقادمة يستطيع من يرغب ان يتعرف عليها باختصار زمني ومتعة بصرية من ابرزها متحف الحرب الامبراطوري في لندن، وآخر في موسكو والذي يتناول احداث الحرب العالمية الثانية في اروقته وآخر في فيينا، بينما شيد متحف بانوراما في اميركا حول الحرب العالمية الثانية، اما عربيا فيعتبر متحف بانوراما حرب اكتوبر في مصر من اهم المواقع التي تعنى بتصوير جزء مهم من تاريخ الدولة والنضال ضد المحتل مختصرة الزمان والأحداث بين جدرانها.
قد يستوقفنا سؤال من طفل عندما يتساءل عن الغزو؟ وما هو مفهومه بعيدا عن المنهج المدرسي؟ على الرغم من الاجتهادات المحمودة التي تقوم بها الدولة مؤخرا للتوثيق لذاكرة الغزو الغاشم، سواء من خلال الاعمال التي تنتجها وزارة الاعلام من جهة او شركات الانتاج الخاصة من جهة اخرى، الى جانب بعض المواقع التي حولت لمتحف مثل «بيت القرين» الذي شهد معركة من اهم معارك الصمود ومقاومة المحتل او المعرض المتواضع في «بيت الكويت للاعمال الوطنية»، إلا اننا بتنا بحاجة ماسة لمتحف بانورامي يحكي قصة الغزو، وحرق آبار البترول، وبطولات ابنائنا، وحكايات استشهاد الصامدين للاجيال التي لم تعشها، تنظم اليه رحلات مدرسية ليتعرف الابناء على حقبة تاريخية من اهم الحقب التي مرت بتاريخ الكويت، وتصبح بمنزلة مرجع لكل من يزور البلاد، تضم قاعات عرض سينمائي تقدم للزائر الافلام المصورة ابان الاحتلال من جهة واعمالا اخرى تنتج عنها من جهة اخرى، ولا تقف عند التحرير بل تمتد حتى إعادة إعمار البلاد من جديد، وقد شهدت البلاد قفزه ثقافية وفنية في السنوات الاخيرة على مستوى المنشآت المتخصصة، والتي تمثلت في افتتاح مركز جابر الاحمد الثقافي، متضمنا دارا للاوبرا ومسارح ومرافق عديدة، مما يجعل مسألة «المتحف البانورامي» امرا ليس بالصعب تحقيقه ابدا.
ومن المهم جدا الاستفادة من المؤرخين والشخصيات المعنية بالحدث سواء كانوا عسكريين او مدنيين كالأطباء والفنانين والإعلاميين وآخرين عاشوا التجربة كشاهد عيان قبل ان تصبح الحكايات منقولة عنهم لمصداقية المعلومة ليكونوا شركاء في تأسيس هذا الصرح على مدى عقود من الزمن.