أحمد الصراف:
السياحة من دون مشروب
تحاول الكويت تنويع دخلها والبحث عن مصادر بديلة عن النفط، كالسياحة، ولكن يصعب ذلك في ظل حظر تناول المشروبات.
يمكن التغلب على ذلك باللجوء لبدائل عديدة لجعل السياحة مصدر دخل للدولة ومتعة للسائح من خلال رؤية وتجربة أمور لا يجدها في أية دولة أخرى في العالم، كترتيب زيارة المبنى البائس لوحدة العلاج بالخارج، الذي صُرف أكثر من أربعة مليارات دولار من خلاله لإرسال عشرات آلاف المواطنين للسياحة في الخارج على حساب الدولة، بحجة تلقي العلاج. وسيتعرفون على حقيقة أن نصف ذلك المبلغ سُرق أو ذهب كعمولات، وأن %2 إلى %3 من المرضى فقط كانوا بحاجة للعلاج! وسيتمكنون من رؤية طريقة عمل الجهاز من الداخل والاستماع لشرح عن الكيفية التي ساهمت قراراته في إفساد ذمم أعداد كبيرة من النواب والمواطنين ومسؤولي جهات حكومية عدة!
والمحطة السياحية الثانية يمكن أن تكون مؤسسة البترول، ومجلس إدارتها بالذات، حيث «أُجبر» أعضاؤه على إلغاء صفقة «الداو» الشهيرة، التي كانت ستدر على البلاد المليارات سنوياً، هذا غير اضطرارهم لدفع 2.2 مليار دولار غرامة فسخ العقد مع شركة الداو، وهي الغرامة الكبرى في تاريخ البشرية بسبب قلة حيلة وضعف بعض سياسيينا، ومكر وحسد وعلو صوت بعض نوابنا!
كما يمكن ترتيب زيارة ليلية، بالصوت والصورة، لمبنى مؤسسة التأمينات الاجتماعية «بحسبان» أنها الجهة الوحيدة التي استطاع مديرها العام، وعلى مدى ستة عشر عاماً، من الاستمرار في سرقتها، وأن يروا بأنفسهم أنها كانت أطول فترة سرقة في تاريخ المنطقة.
كما يمكن للسياح، مقابل دفع رسم صغير، الجلوس على الكرسي الذي كان المدير العام يقوم من خلاله بكل سرقاته المليارية، باطمئنان كبير!
كما يمكن إغراء شركات السياحة على إرسال وفودها لزيارة بيوت ودواوين النواب، قبل انتخابهم.. وبعد انتخابهم، والاطلاع عن كثب على معجزات الديموقراطية الكويتية التي تحول رثّي العقول والأفكار والثياب، لنجوم تتسابق القنوات الفضائية في استضافتهم، والادعاء بأنهم لم يسمعوا السؤال.
كما يمكن لسياح الكويت الاطلاع، وأيضاً عن كثب، على أسرع شوارع العالم تلفاً وخراباً بعد سنة من الانتهاء منها، وكيف ان بعض الأرصفة تساوت ارتفاعاتها مع مستوى الطريق بسبب إعادة سفلتتها المرة تلو الأخرى، وهي ظاهرة غير موجودة في أية دولة أخرى!
كما سيحلو لبعض السياح زيارة مكاتب «تخليص المعاملات» الخاصة بناخبي منطقة بعض النواب، والاستفادة منها في تخليص معاملاتهم الموقوفة، حتى في دولهم!
كما بإمكانهم، وبترتيب خاص مع سكرتير الأمم المتحدة، زيارة هيئة الإعاقة، التي نالها أكبر عدد من حالات تزوير شهادات الإعاقة، والتي أتاحت للبعض التقاعد في سن مبكرة، بالرغم من عجزهم الكامل، ليصبحوا بعدها نواباً ووزراء، في ظاهرة لا يوجد ما يماثلها في العالم، ويمكن ترتيب حصولهم على تواقيع هؤلاء المعاقين «المعجزة»، وأخذ الصور التذكارية معهم.
كما يمكن بعدها أخذ السياح في باصات مكيفة لإطلاعهم على المناطق المخصصة لمشاريع الاكتفاء الذاتي، من الخضار والفواكه واللحوم، التي تحولت لمشاريع الاكتفاء الذاتي من المنتجعات والمتنزهات!
وهناك بالطبع أماكن كثيرة أخرى تمكن للسياح زيارتها، مثل مستشفى الطب النفسي، الذي يمتلك أكبر عدد من ملفات المرضى النفسيين في العالم، نسبة لعدد السكان، والاطلاع على ما يحصل عليه المريض النفسي من مزايا!
كما تمكن زيارة مبنى البلدية، وإدارة الاستملاكات، والاطلاع، من غير كثب، على الجهاز الأكثر فساداً في تاريخ الدولة، بخلاف إدارات البلدية الأخرى!
وللسياح من الدول الإسلامية بالذات حق زيارة بعض الجمعيات الدينية، خاصة ذات الأنشطة الخارجية، وتلك الدينية التابعة لوزارة الأوقاف، والاطلاع، عن كثب، على الطريقة المتبعة في تقاسم «كيكات» الحكومة بهدوء ومن دون ضجة، ونشر أخبار من نوعية «ذر الرماد في العيون» عن إحالات متهمين للنيابة، وما هي بإحالات ولا هم بمتهمين!
* فكرة المقال مقتبسة من الزميل سامي النصف، علماً بأن هناك عشرات الأمثلة الأخرى التي لا يتسع المجال لحصرها.
أحمد الصراف
[email protected]